هذه العبارة نقرأها في الصحف ونسمعها في وسائل الإعلام وقد كنا حتي وقت قريب نفهم أن في قدومه زيادة في البركة وتوسعة علي الفقراء والمحتاجين . ولكننا نفاجأ بما يفسد كل معاني الفضيلة في هذا الشهر فالترف أصبح سمة بارزة لفئة غير قليلة من علية القوم وقد وجدوا المال في أيديهم دون حافز ورأينا ثماره في بذخ ليس له ما يبرره ففي رمضان تجد ميسوري الحال من الآباء من يسمونهم بالأثرياء وهم يسهرون الليالي في أماكن اللهو واللعب غير عابئين بما ينفق وبالمرة وتعود أبنائهم على أن يبددوا في اليوم الواحد ما يكفي لإطعام عشرات الأسر متواضعة الحال.. فيه تمتلئ الملاهي بأبناء الذوات وقد تنوعت أفانين الإغراء .
لقد كنا ومازلنا نعرف أن رمضان شهر الاقتصاد والإحساس بالمحرومين والمنكوبين واليوم إعلانات لا محل لها من الإعراب عن مأكولات ومشروبات تستفز مشاعر الفقراء وكلها للأسف وكما هو معلن بمناسبة قدوم الضيف الكريم الذي هو براء مما يحدث وماذا يفعل الفقير والمحتاج أمام أسئلة أبنائه وأطفاله وهل نحن فعلاً في شهر الحرمان والتأديب والجوع وأننا نبغي من صيامنا الإحساس بالمشاركة الوجدانية وما يعانيه البؤساء وما أكثرهم .
لقد أصبح رمضان عبئاً ثقيلاً علي الغالبية العظمي من أبناء الأمتين العربية والإسلامية ثم يعقبه عيد الفطر بمتطلباته التي لا تنتهي وهل ننكر أن رمضان بتصرفاتنا صار غريباً في أهله إذ تبدل الحال من النقيض إلي النقيض لقد كنا نسمع عن أثرياء ذوي همة عالية ومروءة وكانوا يستقبلون شهر رمضان استقبال الواثقين بربهم . وكان هذا النهج هو ما سلكه الاقتصادي الفذ المرحوم محمد طلعت حرب والثابت أنه كان يستقبله بتوزيع الزكاة علي العائلات التي وقف علي حالها واطمئن إلي مساعدتها ثم بإقامة السهرات الليلية البريئة ليدعو فيها العلماء والذين كانوا يتوافدون عليه من كل صوب وحدب . ولا أدري لماذا لا يتخذ هؤلاء الميسورون من رائد الاقتصاد القدوة والمثل . فقد كان يضع الشهر المبارك في مكانه الصحيح واللائق .
أن ما نراه هذه الأيام من فئة ضلت طريق الهدي يذكرنا بما كتبه الأستاذ / أحمد حسن الزيات في الجزء الأول من كتابه ( من وحي الرسالة ) عندما قال : باشا يتبوأ منصباً من مناصب الدولة الرفيعة بعد حياة حافلة بدأها من قريته الفقيرة وقد انتهي به الحال إلي هذا الجاه العريض والثراء الضخم فيأتي رمضان ولابد للأسرة أن تصوم بحكم النشأة وسلطان العادة . وفيه يجتمع مجلس العائلة يومياً لينظر في مقترحات البطون علي إدارة المطبخ . هذه تقترح وهذا يعترض والباشا يدير النقاش فيعدل أو يكمل حتي ينتهي المطاف بالاتفاق علي المشويات والمقليات والفطائر .. الخ .
وبعد وصف أنيق لحالة الباشا وبطانته يقول الأستاذ الزيات ( يقبل الباشا علي المائدة ينضد الأكواب ويسكب أمام كل آكل الشراب الذي تعوده ويرتب الألوان مع الغلام ويخرج إلي الردهة فيلقي النظرة الأخيرة علي الشمس الغاربة فيعود فيري الأسرة صغيرها وكبيرها لم تفرغ من الإعداد للسهرة الراقصة . فالحلل والحلي تختار والشعور ترجل والحواجب ترقق والخطوات واللفتات والسمات تتغير أمام المرايا بإتقان . حتي إذا نطق مدفع الإفطار هرعوا جميعاً إلي المائدة كما يهرع جنود الإطفاء ثم يقبلون علي طعام الإفطار ولو رأيتهم حسبتهم صاموا العام كله .
وبعد العشاء تأخذ الأسرة زينتها التامة والكاشفة لتجتمع في البهو الفسيح لتستقبل أسراب السيدات ومعهن الإخلاء فيعزف البيان وتشدوا الكواعب ويدور الرقص علي نمطية الشرقي والغربي فتلتف الأيدي علي الخصور وتلتصق الصدور بالصدور وتمتزج أنفاس الكحول بأنفاس العطور ويقف رمضان المسكين وقفه شيخ ورع شاء حظه العثر الدخول إلي أحد المواخير . تذكرت ما قاله أستاذنا الزيات وما يحدث في زماننا من فئة يسمونهم بالباشاوات والبكوات وفي رواية أخري رجال أعمال أو مال ولا فرق وقد اتخذوا من ليالي رمضان موسماً للهو واللعب . ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الكاتب: الشيخ سعد الفقي
المصدر: موقع جريدة المصريون